نسأل الله في دعائنا كل شيء: الرزق، النجاح، تيسير الأمور. ولكننا في خضم طلباتنا الدنيوية، نغفل أحياناً عن طلب تلك النعمة العظيمة التي بدونها لا قيمة لكل النعم الأخرى. إنها النعمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلبها صباحاً ومساءً، وأوصى بها أحب الناس إليه. إنها "العافية".
ما هي "العافية"؟ (أكثر بكثير من مجرد صحة):
قبل أن ندعو بالدعاء، يجب أن نفهم كنوزه. العافية في المفهوم النبوي تعني:
السلامة في الدين: وهي أغلى شيء، وتعني أن يحفظك الله من الفتن والشبهات والزيغ عن الطريق المستقيم.السلامة في الدنيا: وتشمل سلامة جسدك من الأمراض (الصحة)، وسلامة عقلك من الجنون والهم، وسلامة أهلك من المصائب، وسلامة مالك من الضياع.
الدعاء النبوي الشامل (كنز كل صباح ومساء):
هذا هو الدعاء الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم، وهو الهدية التي يجب ألا تفرط فيها أبداً. كان يقول:
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي. " (رواه أبو داود وابن ماجه).تأمل في عظمة هذا الدعاء:
هذا الدعاء ليس مجرد كلمات، بل هو خطة حماية متكاملة. لنتأمل في أجزائه:
- " الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ ": أنت تبدأ بطلب "العفو" أولاً، أي مسح ذنوب الماضي وآثارها السيئة. ثم تطلب "العافية"، وهي السلامة والحماية للمستقبل. أنت تصلح الماضي وتحمي المستقبل في جملة واحدة.
- " فِي دِينِي وَدُنْيَايَ...": لاحظ الترتيب النبوي البليغ. بدأ بالدين لأنه الأهم، فما قيمة صحة الجسد إذا فسد الدين؟ ثم شمل كل شيء آخر يهمك: حياتك، أهلك، ومالك.
- " اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ...": بعد أن طلبت السلامة العامة، تطلب الآن حماية خاصة ومحيطة من كل الاتجاهات الستة. إنها صورة بلاغية رائعة تعني أنك تطلب من الله أن يحيطك بحفظه من كل شر منظور وغير منظور.
"يا عم، سل الله العافية":
لم تكن أهمية هذا الدعاء مجرد عادة شخصية للنبي، بل كان يوصي بها غيره بإلحاح. جاءه عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وقال: " يا رسول الله علمني شيئاً أسأل الله به ". فقال له النبي:
إن الصحة والقوة الحقيقية لا تأتي من الطعام والشراب فقط، بل تنبع من قلبٍ مطمئن وروحٍ آمنة في كنف الله. ودعاء العافية هو المفتاح لهذا الأمان الشامل. إنه يعلمنا أن نطلب من الله ما هو أهم أولاً، وأن نفوّض له أمر حمايتنا في كل جانب من جوانب حياتنا.



إرسال تعليق