هناك ليالٍ في التاريخ لا تشبه غيرها، ليالٍ يتغير فيها مجرى الأحداث، وتتحول فيها شخصيات من النقيض إلى النقيض. وقصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي قصة إحدى هذه الليالي. إنها ليست مجرد قصة رجل دخل في دين جديد، بل هي قصة سيف قريش المسلول الذي كان يرهبه الأبطال، وكيف أن آيات من القرآن استطاعت أن تخترق قلبه الصخري وتجعله ينحني لله طوعاً وحباً.
عمر قبل الإسلام: قوة في غير مسارها
الليلة التي غيرت كل شيء
من بيت النبي إلى بيت أخته:
في طريقه، قابله رجل من بني زهرة، فلما رأى الشر في وجه عمر سأله: "أين تريد يا عمر؟". قال: "أريد محمداً هذا الصابئ... فأقتله". حاول الرجل أن يثنيه، فلما رأى إصراره، قال له ليفدي النبي بنفسه: "أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة قد أسلما!".
صوت القرآن يقرع القلب:
عندما وصل عمر إلى بيت أخته، سمع همهمة وصوتاً خفياً. كان الصحابي خباب بن الأرت يقرئ فاطمة وزوجها صحيفة فيها سورة "طه". طرق عمر الباب بعنف، فارتبكوا وأخفوا الصحيفة. دخل عمر غاضباً وسأل: "ما هذه الهينمة التي سمعت؟". وعندما أنكروا، بطش بزوج أخته، ولما حاولت أخته أن تدافع عنه، لطمها عمر لطمة سال الدم من وجهها.
"ما هذا بكلام البشر"
قرأ عمر صدر سورة طه: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ...﴾. كلما قرأ آية، شعر بأن هذه الكلمات تخاطبه هو شخصياً. اهتز كيانه، ووقعت الآيات على قلبه كالمطر على الأرض العطشى. فقال كلمته التي غيرت كل شيء: "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه... ما هذا بقول بشر".
من بيت الأرقم إلى لقب "الفاروق"
في تلك اللحظة، خرج خباب من مخبئه وقال: "يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: 'اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب'".
قصة إسلام عمر بن الخطاب هي رسالة أمل لكل إنسان. تعلمنا أن أقسى القلوب يمكن أن يلينها كلام الله، وأن أشد الأعداء يمكن أن يصبح أعظم الأولياء، وأن الله سبحانه قادر على أن يخرج النور من قلب الظلام. إنها قصة تذكرنا دائماً بقوة القرآن، وبأن الهداية بيد الله يمنحها لمن يشاء، وبأن رجلاً واحداً صادقاً يمكن أن يغير وجه التاريخ.



إرسال تعليق